رد المحتار على الدر المختار
لابن عابدين حنفى
( وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ) وَصَحَّ زِيَادَةُ فِي الْعَالَمِينَ وَتَكْرَارُ " إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ " وَعَدَمُ كَرَاهَةِ التَّرَحُّمِ وَلَوْ ابْتِدَاءً . وَنُدِبَ السِّيَادَةُ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْإِخْبَارِ بِالْوَاقِعِ عَيْنُ سُلُوكِ الْأَدَبِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ , ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ; وَمَا نُقِلَ : لَا تُسَوِّدُونِي فِي الصَّلَاةِ فَكَذِبٌ , وَقَوْلُهُمْ لَا تُسَيِّدُونِي بِالْيَاءِ لَحْنٌ أَيْضًا وَالصَّوَابُ بِالْوَاوِ ; وَخُصَّ إبْرَاهِيمُ لِسَلَامِهِ عَلَيْنَا , أَوْ لِأَنَّهُ سَمَّانَا الْمُسْلِمِينَ , أَوْ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ صَلَاةٌ يَتَّخِذُهُ بِهَا خَلِيلًا , وَعَلَى الْأَخِيرِ فَالتَّشْبِيهُ ظَاهِرٌ أَوْ رَاجِعٌ لِآلِ مُحَمَّدٍ , أَوْ الْمُشَبَّهُ بِهِ قَدْ يَكُونُ أَدْنَى مِثْلُ - { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ }
قال الشيخ زروق :
ما خرج مخرج التعليم وقف به على وجهه من غير زيادة ولا نقصان .
قال الأبى فى شرح مسلم ( أبى عبد الله محمد العربى فى شرحه لصحيح مسلم ) :
وما يستعمل من لفظ السيد والمولى حسن وإن لم يرد ، والمستند فيه ماصح من قوله صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم .
وقال الحافظ السخاوى :
إن كثيرا من الناس يقولون : اللهم صل على سيدنا محمد ، وإن فى ذلك بحثا :
أما فى الصلاة ، فالظاهر أنه لا يقال ، اتباعا للفظ المأثور ووقوفا عند الخبر الصحيح ، وأما فى غير الصلاة فقد أنكر صلى الله عليه وسلم من خاطبه بذلك كما فى الحديث المشهور ، وإنكاره يحتمل أن يكون تواضعا أو كراهة لأن ذلك كان من تحية الجاهلية أو لمبالغتهم فى المدح .
- وقد صح قوله صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم .
- وورد قول سهل بن حنيف للنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : يا سيدى – فى حديث النسائى فى عمل اليوم والليلة .
- وورد قول ابن مسعود : اللهم صل على سيد المرسلين .
- وفى كل هذا دلالة واضحة وبراهين ظاهرة على جواز ذلك والمانع يحتاج إلى إقامة دليل .
وقال السخاوى فى موضع آخر :
الأدب مع من ذكر مطلوب شرعا بذكر السيد ، وقول المصلين : اللهم صل على سيدنا محمد ، فيه الإتيان بما أمرنا به وزيادة الإخبار بالواقع الذى هو الأدب فهو أفضل من تركه .
وقال الأسنوى :
بلغنى أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أقر الإتيان بسيدنا قبل محمد ، وبناه على أن : هل الأفضل هو سلوك الأدب أو امتثال الأمر ؟ فعلى الأول يستحب ، وعلى الثانى : لا ، لقوله قولوا : اللهم صل على محمد .
وقال جلال الدين السيوطى فى المهمات :
أن العز بن عبد السلام سئل فى الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم : هل الأفضل ذكر السيادة إذ فيه سلوك الأدب أو تركها إذ فيه امتثال الأمر ؟
فأجاب : بأن سلوك الأدب هو المستحب ، كما التزم أبو بكر الصديق رضى الله عنه الأدب دون أمره صلى الله عليه وسلم حين أمره ليتقدم إماما فى الصلاة ثم سأله صلى الله عليه وسلم عن ذلك . فأجاب بقوله : لا ينبغى لابن أبى قحافة أن يتقدم بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكما التزم على ابن أبى طالب عليه السلام بالأدب دون امتثال الأمر حين كتب الكتاب للمصالحة فى الحديبية : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة ، فقال سهيل : والله لونعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا على : امحه فقال على : ما أنا بالذى أمحاه ( أمحوه) . قال العلماء وهذا الذى فعله على من الأدب المستحب .
فكذلك ذكر السيد عند ذكر أسمائه من الأدب المستحب .
وقد أخرج النسائى فى عمل اليوم والليلة عن سهل بن حنيف أنه قال للنبى صلى الله عليه وسلم : يا سيدي .
وقال الحطاب واختار شيخ شيوخنا المجد اللغوى صاحب القاموس ترك ذلك فى الصلاة اتباعاً للفظ الحديث والاتيان به فى غير الصلاة . وقال : والذى يظهر فى وأفعله فى الصلاة وغيرها : الاتيان بلفظ السيد .
وقال ابن حجر الهيثمى فى الدرر المنضود
فى زيادة سيدنا قبل محمد صلى الله عليه وسلم خلاف
- فأما فى الصلاة فقال المجد اللغوى : الظاهر أنه لا يقال اقتصار على الوارد
- وقال الأسنوى : يقال كما رأى عز الدين بن عبد السلام .
قال ابن حجر : وهذا هو الذى ملت إليه فى شرح الإرشاد وغيره ، لأنه صلى الله عليه وسلم لما جاء وأبو بكر يؤم الناس فتأخر أبو بكر فأمره الرسول أن يثبت مكانه فلم يمتثل لأمر الرسول ، ثم سأله بعد الفراغ عن ذلك فأبدى له أنه إنما فعله تأدباً بقوله : ما كان ينبغى لابن قحافة أن يتقدم بين يدى رسول الله وهذا دليل على أن سلوك الأدب أولى من امتثال الأمر وأورد أيضاً موقف الإمام على فى الحديبية .
قال ابن حجر : وأفتى ابن تيمية بتركها وأطال فيه ورد عليه بعض الشافعية والحنفية
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصارى فى شرح الروض
واشتهر زيادة سيدنا قبل محمد وفى كونه أفضل نظر وفى حفظى أن الشيخ عز الدين بناه على أن الأفضل سلوك الأدب أم امتثال الأمر فعلى الأول يستحب دون الثانى .
وفى الدر المختار من كتب الحنفية : وندب السيادة ، لأن زيادة الأخبار بالواقع عين سلوك الأدب فهو أفضل من تركه ذكره الرملى الشافعى وغيره .
** وقال ابن عابدين فى حاشيته على قوله : ذكره الرملى : واعترض بأن هذا مخالف لمذهبنا ، لما مر من قول الإمام من أنه لو زاد فى تشهده أو نقص منه كان مكروها
قلت : فيه نظر ، فإن الصلاة زائدة على التشهد .. ليست منه ، نعم ينبغى على هذا عدم ذكرها فى : وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
وأنه يأتى بها مع ابراهيم .
ثم قال : وانكاره صلى الله عليه وسلم من خاطبه بذلك إنما هو لكونه ضم إليه ألفاظا من ألفاظ الجاهلين وتحياتهم ثم أورد أحاديث السيادة .
وفى نوازل العلمى
سؤال عن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة عشر مرات فأجاب : أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمدا يجب توقيره وتعظيمه ولا ينبغى للإنسان أن يذكر اسمه مجرداً عن ذكر السيادة والرسالة أو غير ذلك مما يوجب تعظيمه وتوقيره ، وقد نهى الله تعالى فى القرآن ذكر دعائه بإسمه مجرداً : "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم لبعض ..."
وحين سئل الشيخ العتبانى قال : أفضل الأذكار ما جئ به على الوجه الذى وصفه صاحب الشريعة ، لكن ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم بالسيادة وما أشبهها من الصفات التى تدل على التعزيز والتوقير ليس بممنوع .
بل هو زيادة عبادة وإيمان لا سيما بعد ثبوت أنه سيد ولد آدم .
وقال العارف ابن عجيبة ( رضي الله عنه)
فى حاشيته على الجامع الصغير عند ذكر حديث "السيد الله" : وقد اختلف هل الأولى الإتيان بلفظ السيادة فى نحو الصلاة عليه أم لا ، ورجح بعضهم أن اللفظ الوارد ألا يزاد عليه بخلاف غيره قاله المناوى .
قلت "ابن عجيبة" : والأحسن من جهة الأدب التسويد فى التعبد بالصلاة عليه مطلقاً
وقال السحيمى
اطلاق لفظ السيادة على النبى صلى الله عليه وسلم موافق لخبر أحمد والترمذى وابن ماجة عن ابى سعيد مرفوعاً : أنا سيد ولد آدم .
أما حديث الشيخين : قولوا اللهم صل على محمد ... ففى مقام تعليم
الصلاة عليه وليس من شرطه ذكر السيد ، وان كان الأفضل ذكره مراعاة للأدب .
ولا يقال امتثال الأمر أفضل من الأدب لأنا نقول فى الأدب امتثال الأمر وزيادة .
وقال الهوانى الهندى فى كتابه صيانة الإنسان
يجوز إطلاق السيد على غير الله . ثم قال: نعم زيادة لفظ سيدنا ومولانا فى تشهد الصلاة كما يفعله أهل الحرمين فى زماننا وزيادتها فى الأذان كما يفعله أهل القدس وزيادتها فى الصلاة على النبى فى الصلاة بدعة لا بد من تغييرها .
فإن ألفاظ التشهد والأذان والصلاة توقيفية منقولة عن الشارع لا يجوز الزيادة عليها ولا النقصان منها. ويؤيد هذا حديث البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل : اللهم أسلمت نفسى إليك ............ آمنت .... ونبيك الذى أرسلت . فقلت استذكرهن وبرسولك الذى أرسلت قال : لا ونبيك الذى أرسلت . البخارى
وقال القاسمى
فيمن يزيد لفظ سيدنا فى الأذان فى بيت المقدس .
لم تزيد هذه اللفظة يا أخى ان ألفاظ الأذانين مأمورة متعبد بها رويت بالتواتر خلفا عن سلف فى الصحاح والحسان والمسانيد والمعاجم ولم يورد أحد قط استحباب هذه الزيادة عن صحابى ولا تابعى ولا فقيه من الأئمة .
وليس تعظيمه زيادة ألفاظ فى عبادات مشروعة ؛ وأتذكر فتوى لابن حجر قال : لا يزاد ذلك فى الكلمات المأثورة ويجوز أن يزاد فى غيرها
فالاتباع خير من الابتداع وعجيب أن يظن البعض أن فى ذلك تعظيماً له صلى الله عليه وسلم فنقول : هل أحد يعظمه أكثر من أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وبلال وأبو محذورة ، وابن أم مكتوم وأمثالهم . فهؤلاء ما وجدنا أحد لفظ سيدنا فتعظيمه اتباعه .
وقال الشيخ سليمان الجمل فى حاشيته على شرح المنهج
والشيخ عبد الحميد الشرواني
وسيدى أحمد بن المأمون البلقينى
هل يزاد لفظ المولى والسيد فى الصلاة عليه ؟
ثلاثة أقوال :
الإتيان بذلك مطلقاً وهو الصواب .
عدم الإتيان به مطلقاً .
الفصيل بين ما ورد من الكيفيات عن الشارع وبين غير الوارد ، ما ورد لا يزاد فيه ، ويستثنى من ذلك ما تعبد به كالقرآن والأذان والإقامة .
وقال الشيخ محمد بن جعفر الكتانى
حين سئل عن ذلك فأجاب :
-ذكر الاسم الشريف بالسيادة ونحوها أمر متفق عليه وهو ثلاثتة أقسام :
1-أن يكون فى الأمور المرتجلة المبتكرة التى لم ترد عن الشارع وهنا تثبت السيادة كتابة ونطقاً بلا خلاف .
2-أن يكون فى الأمور الواردة عنه التى لم يتعبد بلفظها ولم يقصد حكاية المروى فيها وإنما قصد إنشاء الطلب ومجرد التعبد ككيفيات الصلاة والتسليم عليه وهنا خلاف :
- الاقتصار على الوارد . - الإتيان بلفظ السيادة .
والمختار الإتيان بلفظ السيادة نطقاً مطلقاً فى الصلاة وغيرها وتركه كتابة وهو المختار عند المحققين وبه جرى العمل .
3- أن يكون فى الأمور المتعبد بلفظها كالأذان والإقامة والتشهد أو ما يقصد حكايته عن النبى صلى الله عليه وسلم وهذا القسم يتعين ترك السيادة والاقتصار على الوارد .
* ولكن هل ترك السيادة على جهة الوجوب فيكون الإتيان بها حراما ؟
أو على جهة الندب المؤكد فيكون الإتيان بها مكروهاً أو خلاف
الأولى ؟
بالأول قال العلامة الهلالى وبالثانى قال الشيخ زروق .
وقال العارف بالله الشيخ على المرصفى المصرى
وهو من شيوخ سيدى عبد الوهاب الشعرانى :
أن الأولى الإتيان بها مطلقاً : إلا فى القرآن والآذان
وقال عن أداب القوم :
ومن آدابهم ألا يقولوا فى يد النبى : يسار وإنما يقولون اليمين الأولى واليمين الثانية أو يمين وجه ويمين خلف ، كما لا يذكرون اسمه الشريف إلا مع السيادة فى جميع المواطن غير تلاوة القرآن والآذان .وقال الشيخ ابن تيمية :* وأما رفع الصوت بالصلاة أو الرضى الذى يفعله بعض المؤذنين قدام بعض الخطباء فى الجمع فهذا مكروه أو محرم . لكن منهم من يقول : يصلى عليه سراً ومنهم من يقول : يسكت والله أعلم .
مجموع فتاوى ابن تيمية جـ22 مسألة هل الأفضل فى الصلاة على النبى كونها سراً أم جهراً .
ثالثا :أدلة استحباب السيادة عند ذكر اسمه الشريف في كل موضع حتى في الصلاة والإقامة والأذان
* بما أن أحكام التكليف الشرعية والوظائف الدينية من صلاة وصيام وشرائع لا توجد في آية واحدة أو سورة واحدة أو حديث واحد أو حديثين ، وإنما تؤخذ من أدلة متفرقة من مجموع الكتاب والسنة ، يضم ما في أحدهما إلى الآخر بطرق الاستدلال الشرعية مثل الآتي :
- أحكام النية التي تميز بين الأذان وبين إرادة الإقامة .
- وهل هو مربع التكبير أم مثناة .
- وهل هو واجب على الكفاية أم سنة مؤكدة أو فرض عين .
- وهل هو مشروع للفوائت أو غير مشروع لها .
- وهل هو ممنوع قبل دخول الوقت مطلقاً ؟
- وهل يجوز بغير طهارة ؟
- وهل يستحب أن يكون على موضع مرتفع ، وبصوت عال ، وبدون تطريب ، واستقبال القبلة
-وهل يجوز للقاعد والأعمى والقائم والراكب … ؟
-وهل يردّ السلام ولو بالإشارة ؟
-والتثويب وحي على خير العمل و……… و……… الخ .
*إذاً كما جاز أخذ تلك الأحكام من الأدلة المختلفة المتنوعة كذلك يجوز أخذ غيره ـ كالسيادة ـ من هذه الأدلة أو من غيرها ، فان الله تعالى لم ينصب أدلة شريعته ليستدل بها السابق دون اللاحق ولا حظر العمل بها والاستنباط منها على الخلف دون السلف ، بل نصبها للناس كافة ، وهي صالحة لكل الأعصار فإذا ثبت هذا فالأدلة على استحباب السيادة وتأكدها عند ذكره صلى الله عليه وسلم في كل مكان مأمور بها ، وبيانها كالآتي :-
الدليل الأول :
قال الله تعالى ( فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِين ) ..
وقال ( وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَاب ) .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وسيدا } قال : حليما تقيا..
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : "السيد" الكريم على الله..
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغضب وابن جرير عن عكرمة قال : "السيد" الذي لا يغلبه الغضب.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال : "السيد" الفقيه العالم.
وأخرج أحمد في الزهد والخرائطي في مكارم الأخلاق عن الضحاك قال : "السيد" الحسن الخلق ، و"الحصور" الذي حصر عن النساء.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سعيد بن جبير قال : "السيد" الحليم.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس في قوله( وَسَيِّداً وَحَصُورا} قال : "السيد" الحليم ..
وأخرج البزار وأبو قاسم البغوي وابن قانع كلاهما في معجم الصحابة وابن عدي وابن عساكر، عن عبد الله بن أسعد بن زرارة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي انْتَهَيْتُ إِلَى قَصْرٍ مِنْ لُؤْلُؤَة ـ ولفظ البغوي : أُسْرِيَ بِي فِي قَفَصٍ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ فِرَاشُهُ ذَهَبٌ يَتَلأْلأُ نُوراً ، وَأُعْطِيتُ ثَلاَثاً : إِنَّكَ سَبِّدُ الْمُرْسَلِينَ ، وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ ، وَقَأئِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِين }.
أخرج أبو نعيم في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أَنَا سَيِّدُ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ نَبِيّاً مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوب }.
ويقول الإمام النووي في كتابه ( الأذكار ) : اعلم أن السيد يُطلق على الذي يفوق قومَه ويرتفعُ قدرُه عليهم، ويُطلق على الزعيم والفاضل، ويُطلق على الحليم الذي لا يستفزّه غضبُه، ويُطلق على الكريم وعلى المالك وعلى الزوج، وقد جاءت أحاديثُ كثيرةٌ بإطلاق سيد على أهل الفضل.
ومما سبق يستنتج أن إطلاق السيادة علي المصطفي صلى الله عليه وسلم هو الأولى والآكد لأنه أطلق على من هو دونه صلى الله عليه وسلم
*بما أن القرآن أفضل من الأذان ويتعبد بلفظه ، وسيدنا يحيى أقل فضلا من سيد المرسلين ، فإذا أطلق القرآن السيادة على الأقل ( سيدنا يحيى ) في الأعلى ( القرآن ) فمن باب أولى تسويد الأعلى ( سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ) في الأقل ( الأذان ) ، ولا يوجد ما يمنع ذلك من الناحية الشرعية، ومن باب أولى في الصلاة والإقامة والأذان .
الدليل الثاني :
أن الله تعالى نهانا أن نناديه باسمه المجرد عن التعظيم فقال : ( لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا ……… )
- قال ابن عباس : كانوا يقولون : يا محمد .. يا أبا القاسم .. فنهاهم عن ذلك إعظاما له فقال قولوا : يا نبي الله يا رسول الله .
- قال مجاهد : أمرهم أن يدعوا : يا رسول الله في لين وتواضع ولا يقولوا يا محمد في تجهم .
- قال قتادة : أمرهم أن يفخموه ويشرفوه .
- قال عكرمة : لا تقولوا يا محمد ولكن قولوا يا رسول الله . وكذا سعيد بن جبير والحسن .
- قال زيد بن أسلم : أمرهم الله أن يشرفوه .
- قال أبو نعيم : تكنيته بالنبوة والرسالة ترفيعاً لمنزلته .
•وهناك قول ثان : أي لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره ، فإن دعاءه مستجاب فاحذروا أن يدعوا عليكم فتهلكوا . حكاه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن البصري وعطية العوفي .
• وقول ثالث : لا تجعلوا دعاء الرسول إذا دعاكم لأمر كدعاء بعضكم بعضاً فلا تجيبوه ، بل أمره واجب .
والراجح هو الرأي الأول لوجوه :
-الأول : أن ابن عباس أعلم الأمة بالتأويل بعد علي .
-الثاني : أنه من قبيل المرفوع .
الثالث : أنه تفسير أكثر السلف .
-الرابع : أنه تفسير للقرآن بالقرآن .
*بما أن الصحابة كانوا يعاملون النبي بالأدب حياً وميتاً فدل على أن ما نهانا الله عنه في وجوده في الدنيا هو كذلك بعد انتقاله ، فثبت النهي عن ذكر اسمه بدون سيادة ، أما تخصيص الإقامة والأذان والصلاة بترك السيادة فلا دليل عليه أصلاً فيبقى الأمر على عمومه
الدليل الثالث:
أن تعظيمه وتوقيره واحترامه والأدب معه واجب بإجماع المسلمين .
وأن من أجله نبذل الأموال والأنفس لأنه من أعظم شعائر الدين ، وقد أمر الله تعالى به في آيات متعددة :
- يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرا (45) الأحزاب.
- إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرا ( الفتح . - فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُون (157) الأعراف .
- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُون (4) الحجرات .
- لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا…………… (63) النور .
- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون (24) الأنفال .
- النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورا (6) الأحزاب .
*قال القاضي عياض في الشفا : فأوجب الله تعزيره وتوقيره وألزم إكرامه وتعظيمه .
- وبما أن لفظ السيادة عند ذكر اسمه من الأدب والاحترام والتوقير والإجلال والإعظام الذي أمر الله وأوجبه على عباده ، خصوصاً في العصور المتأخرة التي صار ذكر السيادة في عُرْفِ أهلها من لوازم التعظيم فهي من ألزم اللوازم وآكد المتأكدات عند ذكر اسمه في كل موضع ذكر فيه ، وتخصيص الأذان والإقامة والصلاة لا دليل عليه فهو باطل ، فيبقى الأمر باستعمال الأدب معه صلى الله عليه وآله وسلم على العموم .
الدليل الرابع :
أن الله تعالى نهى عن رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم وعن الجهر له بالقول كما يجهر بعضنا لبعض ..
وعلة النهي ليست هي نفس رفع الصوت لذات ذلك فقد كان المؤذن يرفع صوته بالأذان عنده وبين يديه عند المنبر ، بل علة النهي هي ما في هذا من سوء الأدب وعدم التوقير له صلى الله عليه وسلم .
- إذا ذكر الاسم مجردا عن السيادة من هذا المعنى ، بل في زماننا هذا أشد فإن كان الشخص من ذوي الجاه والرياسة غضب إذا لم ينادى باللقب المناسب له ، فذكره بدون سيادة داخل في هذه الآية .
الدليل الخامس :
هو في معنى الذي قبله إن الآية تدل على حكم عام وهو أن ترك الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ولو في الشيء اليسير محبط للأعمال وحبوط الأعمال وسيلة إلى الكفر ، لأن من حبطت أعماله وبقي مجرداً منها فهو في معنى الكافر ، لأن الإيمان اعتقاد وعمل فإذا حبط العمل وذهب الإيمان ثبت ضده وهو الكفر .
-وترك السيادة من سوء الأدب والاحترام فهو داخل في هذا الحكم ولابد .
-فإن قلت : هذا يجر الصحابة والتابعين والسلف الصالح ؟
-قلت : الحكم يتغير بتغير الأعراف والعوائد .
-فترك السيادة هو اليوم سوء أدب في عرفنا دون عرف السلف الصالح .
الدليل السادس :
قوله تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك )..
وهو خبر يتضمن الأمر بذلك والحكم على العباد به ، بل هو بمعنى الخبر لأن ذكره عند الكفار ليس مرفوعاً ، يتهمونه ولا يصدقونه . فرجع الخبر إلى معنى الأمر.
وبذا ثبت أن الله يأمرنا أن نرفع ذكره بأمر زائد على الإيمان به والاعتراف برسالته ، ورفعة ذكره تكون بألفاظ التعظيم وألقاب الإجلال والتكريم ومنها السيادة التي جرى العرف بها بين الناس فنكون مأمورون بها عند ذكره ومنهيين عن ضده – وهو ذكر الاسم المجرد – سواء كان ذلك في أذان أو إقامة أو صلاة أو غيرها إذ التخصيص لا دليل عليه يؤيده .
الدليل السابع :
أن ترك السيادة عند ذكر اسمه الشريف فيه تشبه بالكفار واتباعهم في أهوائهم وألفاظهم وقد حرم الله ذلك ونهى عنه وأوعد عليه حتى ألحق المتشبه به عليهم .
( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ …………) (120)
( وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بعض ……………) (145)
فعدم التشبه بهم يوجب علينا مخالفتهم ، والمبالغة في تعظيمه وألاّ نذكر اسمه إلا مقروناً بالسيادة والنبوة والرسالة في كل مكان ، واللفظ المجرد عن السيادة يوقع في التشبه بهم وتكثير أمثالهم وموافقتهم في أهوائهم سواء قصد ذلك أو لم يقصد لأنه فطن لذلك ، والحكم إذا تعلق بالمظنة عم واطرد في كل ما هو محل له .
الدليل الثامن:
أن الله تعالى نهى المؤمنين أن يقولوا للنبي صلى الله عليه وسلم راعنا وإن كانوا لا يقصدون بها إهانة لأن الإهانة تتطرق إلى لفظها في عرف اليهود .
- فمنع من ذلك سداً للذريعة وقطعاً لما فيها من إيهام تنقيص وسوء أدب في جانبه ولو من بعيد
- فذكر اسمه بدون سيادة وإن قصد به متكلم غاية التعظيم فهو موهم للنقص بحسب العرف والعادة الجارية .
- بما أن الله نهى الصحابة عن قولهم " راعنا " رغم أنهم يقصدون
بها الخير ولا يتطرق إلى أذهانهم أنها إهانة كذلك ينهى عن ذكر اسمه الشريف بدون سيادة .
- وهذا عند ذكر اسمه في كل شيء والأذان والإقامة وغيرهما لأنه لا مخصص أصلاً والتمسك بالعموم واجب حتى يقوم دليل على الخصوصية يؤيده .
الدليل التاسع :
قول الله سبحانه وتعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم ) (1)
فذكر بعضنا لبعض بالسيادة دونه صلى الله عليه وسلم يعتبر تقدم بين يديه بالتشريف والتكريم والله نهانا أن نتقدم بين يديه ، فيجب أن يذكر هو صلى الله عليه وسلم بالسيادة حتى يكون مقدماً بيننا .
الدليل العاشر :
أن الله تعالى هو سيده وخالقه ومولاه ومرسله والنبي صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ومع ذلك فهو سبحانه لرفعة قدر النبي صلى الله عليه وسلم عنده ومكانته السامية لديه استعمل معه الأدب في الخطاب وخصه بذلك دون سائر الأنبياء فلم يناده باسمه في القرآن أصلا وإنما ناداه بألقابه المعظمة : يا أيها النبي .. يا أيها الرسول .
- وبما أن الله يستعمل معه هذا الإجلال والتوقير في الخطاب وعند ذكر اسمه الشريف فكيف يجوز لنا أن نسلك معه هذا الطريق في الخطاب وعند ذكر اسمه الشريف ، ونجرده من السيادة التي لا نجرد في عصرنا اسم من نعظمه ونحترمه منها ، ولا نذكره إلا مقرونا بها أو بما يقوم مقامها ؟!! بل نحن أولى بهذا الأدب ديناً وعقلاً وعادةً وعرفاً مع الحبيب صلى الله عليه وسلم.
* الدليل الحادى عشر:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت لنفسه السيادة وأخبر بهذا للإيمان به والعمل بمقتضاه ، وهو اعتقاد سيادته والتلفظ بها ، وموضع التلفظ عند ذكر اسمه الشريف جرى عرف جميع الخلق على هذا ، وطرق حديث السيادة هي :
*أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ …… * وله أربع طرق وهو عند البخاري ومسلم والترمذي وأحمد والدارمي .
*أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْر ……… * وله خمسة طرق وهو عند الإمام أحمد وغيره.
*أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ ………… * وله 11 طريقا وهو عند الحاكم في المستدرك .
*أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ ، آَدَمُ تَحْتَ لِوَائِي وَلاَ فَخْر ……… * وله أربع طرق .
*أَنَا سَيِّدُ المؤمنين إذا بعثوا ………… *
*إِنَّكَ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِين ………* البزار والبغوي وابن قانع وابن عدي وابن عساكر.
*أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ، وَعَلِيٌّ سَيِّدُ الْعَرَب ……… *وله54 طريق وهو عند الحاكم في المستدرك .
*أَنَا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَة ……… البخاري ومسلم والترمذي ، وله 20 طريقا.
*كل ما سبق يفيد العلم اليقيني القطعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أنَا سَيِّد ……وأنه مولى كل مؤمن ومؤمنة
*إذا الإيمان بذلك فرض واجب وحتم لازم ولا يتم إلا بالنطق به .
الدليل الثاني عشر :- أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يقال له سيد :
*عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ.. قَال : فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا : أَنْتَ وَلِيُّنَا ، وَأَنْتَ سَيِّدُنَا ، وَأَنْتَ أَطْوَلُ عَلَيْنَا .. قَالَ يُونُسُ : وَأَنْتَ أَطْوَلُ عَلَيْنَا طَوْلاً ، وَأَنْتَ أَفْضَلُنَا عَلَيْنَا فَضْلاً ، وَأَنْتَ الْجَفْنَةُ الْغَرَّاءُ ..فَقَال { قُولُوا قَوْلَكُمْ وَلاَ يَسْتَجِرَّنَّكُمُ الشَّيْطَان }قَالَ وَرُبَّمَا قَال { وَلاَ يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ } * رواه أحمد.
*عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ : قَالَ أَبِي : انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا : أَنْتَ سَيِّدُنَا فَقَال { السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى } قُلْنَا : وَأَفْضَلُنَا فَضْلاً ، وَأَعْظَمُنَا طَوْلاً .. فَقَال { قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ وَلاَ يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَان }* رواه أبو داود.
- فقول النبي صلى الله عليه وسلم{ قولوا بقولكم } أمر لهم أن يقولوا : سيدنا بعد أن عرف المعنى الذي قصدوه ؛ لأن السيد لها معنى لا يجوز أن يطلق على مخلوق ، فلمّا عينوا المعنى الذي قصدوه وهو الأفضل أجازه لهم .
الدليل الثالث عشر :- أنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى الأمر بالسيادة لذاته الشريفة والانتقاد على من يذكر اسمه الشريف بدون سيادة :
*عن جابر بن عبد الله : صعد الرسول على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال { مَنْ أَنَا } قلنا رسول الله ..
قال { نَعَمْ.. وَلَكِنْ مَنْ أَنَا }
قلنا : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ،
قال { أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْر } رواه الحاكم في المستدرك وله 11 طريق .
• فكأنه قال لهم : لما لا تقولوا سيدنا محمد فأنا سيد ولد آدم ولا فخر .
الدليل الرابع عشر :- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتعظيم مطلق اسمه ونهى عن سب الاسم :
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّداً تَبَرُّكاً بِي كَانَ هُوَ وَمَوْلُودُهُ فِي الْجَنَّة ( ابن عساكر عن أبي أمامه الباهلى.
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) مَنْ تَسَمَّى بِاسْمِي يَرْجُو بَرَكَتِي غَدَتْ عَلَيْهِ الْبَرَكَةُ وَرَاحَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة ( ابن أبي عاصم .
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) إِذَا سَمَّيْتُمْ مُحَمَّداً فَلاَ تَضْرِبُوهُ وَلاَ تَحْرِمُوه (الطبراني)
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) تسَمونَ أَوْلاَدَكُمْ مُحَمَّداً ثُمَّ تَلْعَنُونَهُمْ (
الحاكم والبزار وابن عدي وأبو يعلى.
*قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَا ضَرَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ مُحَمَّدٌ وَمُحَمَّدَانِ وَثَلاَثَة ) القاضي عياض.
• قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )منْ وُلِدَ لَهُ ثَلاَثَةٌ فَلَمْ يُسَمِّ أَحَدَهُمْ مُحَمَّداً فَقَدْ جَهِل( الطبراني .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يوقفُ عَبْدَانِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ
تَعَالَى فَيُؤْمَرُ بِهِمَا إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولاَنِ : رَبَّنَا.. بِمَا اسْتَأْهَلْنَا الْجَنَّةَ وَلَمْ نَعْمَلْ عَمَلاً تُجَازِينَا بِهِ الْجَنَّةَ ؟ فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى ادْخُلاَ الْجَنَّةَ فَإِنِّي آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لاَ يَدْخُلَ النَّارَ مَنِ اسْمُهُ أَحْمَدُ وَلاَ مُحَمَّد ( القسطلاني في المواهب .
* عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ألاَ لِيَقُمْ من اسمه محمد فليدخل الجنة لكرامة اسمه صلى الله عليه وسلم.. القاضي عياض .
* عن مالك قال : سمعت أهل مكة يقولون : ما من بيت فيه اسم محمد إلا نما ورزقوا ورزق جيرانهم.. ابن القاسم وابن وهب .
- بما أنه قد ثبت تعظيم من اسمه محمد والنهي عن سبه احتراما لمن سمى به صلى الله عليه وسلم إذاً تعظيم اسمه الشريف بالسيادة مطلوب ، والتخصيص في ترك السيادة في الأذان والإقامة والصلاة لا دليل عليه فيبقى على العموم .
الدليل الخامس عشر :- أن النبي صلى الله عليه وسلم خَوطب بـ"يا سيدي" فأقرّ عليه وسكت .
*عن الرَّبَابُ وَقَالَ يُونُسُ فِي حَدِيثِهِ قَالَتْ : سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَقُول : مَرَرْنَا بِسَيْلٍ فَدَخَلْتُ فَاغْتَسَلْتُ مِنْهُ فَخَرَجْتُ مَحْمُومًا فَنُمِيَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال { مُرُوا أَبَا ثَابِتٍ يَتَعَوَّذ } قُلْتُ : يَا سَيِّدِي وَالرُّقَى صَالِحَةٌ ؟ قَال { لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ فِي نَفْسٍ أَوْ حُمَةٍ أَوْ لَدْغَةٍ } قَالَ عَفَّانُ : النَّظْرَةُ وَاللَّدْغَةُ وَالْحُمَةُ * رواه أحمد وأبو داود والنسائي في السنن الكبرى والكنى.
- فإقراره صلى الله عليه وسلم من قال له :"يا سيدي" أنه محبوب مرغوب فيه .
فينبغي ويتأكد ذكره بالسيادة كلما ذكر وتخصيص الأذان والإقامة والصلاة بتركها لا دليل عليه ، فهو على عمومه .
الدليل السادس عشر :
*مع الأدلة السابقة ، لم يرد النهي عن السيادة أصلاً لا في الأذان ولا الإقامة ولا في الصلاة ولا في غيرها ، أما حديث ( لا تسيدونى في الصلاة ) فاتفق الحفاظ وأئمة الحديث على وضعه كالسخاوي
والسيوطي والجلال المحلي وابن حجر الهيثمي والمالكية والشافعية والحنفية .
الدليل السابع عشر :
*وعلى فرض ورود النهي فالأدب مقدم على الامتثال كما تقدمت دلائله .
الدليل الثامن عشر :
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُنادي الرجل أباه باسمه:
- عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معه غلام فقال للغلام { مَنْ هَذَا }
قال : أبي..
قال { فَلاَ تَمْشِ أَمَامَهُ ، وَلاَ تَسْتَسِبَّ لَهُ ، وَلاَ تَجْلِسْ قَبْلَهُ ، وَلاَ تَدْعُهُ بِاسْمِه } ابن السني .
فإذا كان هذا للأب فالنبي أولى ؛ فلا نناديه باسمه المجرد ، ولا نذكره كذلك إلا مقروناً بلقب التشريف والتكريم وهو السيد والمولى ورسول الله ونبي الله ، وإذا ثبت هذا له صلى الله عليه وسلم فلا يجوز تخصيص ذكره بذلك في وقت دون وقت فالأذان والإقامة والصلاة وغيرها سواء.
الدليل التاسع :- أن النبي كان يحب أن يدعى الرجل بأحب أسمائه إليه ؛ بل ويستحب مخاطبة أهل الفضل بأحب الكنى ، وهذا مما هو معلوم .
•فإذا ثبت هذا في حق أهل الفضل بل ومطلق الناس فالنبي صلى الله عليه وسلم أولى .
وأفضل الألقاب هو السيادة مع النبوة والرسالة في كل مكان وقع فيه ذكره ، لا فرق بين الأذان والصلاة وغيرها .